آخر الأخبار |
مقالات تحليلية، آراء وخواطر

سيزيام 2020 : كيف يراها المعلّمون ؟‏
  
   

التاريخ : 04-07-2020 مطالعات : 3446

بقلم : إيمان قرّاب*‏

السيزيام أو مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية، كابوس ‏ما فتئ يؤرّق تلاميذ السنوات السادسة وأوليائهم ومدرّسيهم، فهل كان ‏في دورة 2020 مثلما كان شأنه في السّنوات الفارطة، أم أنّ أجواء ‏الكوفيد 19 ساهمت في التخفيف من وطأته، مراعاة لما خلّفه الوباء ‏من اضطرابات في النّفوس ؟

 

رغم التّخوّفات الكبيرة التي أبداها مدرّسو السّنوات السّادسة الذين ‏اضطرّتهم خطط الحجر الصّحّي لمفارقة تلاميذهم لأشهر، فقد كان على ال‏تلاميذ في غالب الأحوال أن يتدبّروا أمرهم فرادى، محرومين من توصيات معلّميهم ‏وتوجيهاتهم ودعمهم وتحفيزهم، فضلا عن الحيرة التي سادت مختلف ‏الأوساط المهنية والعائليّة بسبب غياب المعلومة حول مستوى تقدّم ‏الدّروس في مختلف الأقسام، بفعل اختلاف رؤى المعلّمين وطرقهم ‏في تنظيم الوقت وتوزيع المحتوى على كامل فترات السّنة، والحال أنّ ‏الوزارة لم تعلن بشكل واضح عن المحاور التي ستطرح في المناظرة. ‏ولاننسى هنا جهد عدد من المعلّمين في التّواصل مع تلاميذهم المترشحين للمناظرة عبر الوسائل الرقميّة أو المباشرة خارج أطر الدّروس الخصوصيّة بمقابل مالي.

تراجع المخاوف

جاء اليوم الأوّل بإشارات مطمئنة ساهمت في تبديد قدر كبير من ‏المخاوف بحكم سهولة نسبية لاختبار العربيّة (دراسة النّصّ، اللغة ‏والإنتاج كتابي)، حيث اعتبر أغلب من حاورناهم أنّ الاختبار كان في ‏المتناول إن لم نقل إنّه سهل للغاية، حيث ساهم النصّ المقترح في الاختبار ‏في تحفيز همم التّلاميذ وتشجيعهم على المحاولة والإبداع والحرص ‏على تحقيق النّجاح. أمّا الجزء المتعلّق بقواعد اللغة فقد كانت أسئلته ‏مقبولة عموما، دون صعوبات تذكر، وقد تناولها المعلّمون بالدّرس ‏والتّطبيق في مناسبات عديدة في الثلاثيّة الأولى والثّانية. ويبقى الإنتاج ‏الكتابي أكثر ارتباطا بالمجهود الذّاتي للتّلميذ من حيث الرّصيد اللغوي ‏والمطالعة والتدرّب على الكتابة. غير أنّ مقاييس الإصلاح تبقى أصدق أنباء ‏من هذه التقييمات، فيها الحدّ بين الجدّ واللّعب..‏

اختبار "نخبوي" في الانقليزية ؟

ورد اختبار الانقليزية شبيها بالاختبارات السّابقة، مع تغيير في تمرين ‏الإنتاج الكتابي الذي كان يتمّ على أساس جمل جاهزة يتمّ إتمامها بكلمة ‏أو ترتيبها أو ربط شطريها بسهم، ثم يطلب من التلميذ أن يربط بين ‏الجمل ليكوّن فقرة، فأصبح تكوين الفقرة يعتمد على إجابات يصوغها ‏التلميذ بنفسه معتمدا أكثر على زاده اللغوي ثمّ يربطها ببعضها لتكوين فقرة، ‏وهو أمر أكثر صعوبة لما يتطلّبه من حفظ للمفردات واتقان لقواعد ‏اللغة ومطالعة وتدريب..‏

خطأ في الصّياغة في اختبار الإيقاظ العلمي ؟

كان الكثير من المعلّمين متخوّفين من اختبار الإيقاظ لما يتضمّنه عادة ‏من صعوبات ترهق نتائج الكثير من التلاميذ، إلّا أنّ الاختبار في دورة ‏‏2020 أرضاهم في الجملة، ولم ترد انتقادات إلّا بخصوص التّمرين ‏المتعلّق بالدّورة الدّمويّة الذي وجد فيه بعضهم خطأ في الصّياغة في ‏حين رآى آخرون أنّ "الخطأ" مقصود لتمييز التلاميذ المنتبهين من ‏غيرهم..‏

غول الرّياضيّات يطلّ برأسه في اليوم الثاني

لطالما كان اختبار الرّياضيّات طريقا مليئا بالمطبّات يدفع بالتّلميذ إليه ‏منفردا، فيتلمّس فيه طريقه دون دليل ولاتنبيه، متناهية إلى سمعه ‏ضحكات واضعي الاختبار وهم يفركون أيديهم فرحا كلّما وقع أحد ‏التلاميذ في مطبّ من مطبّاتهم التي ما أنزلت البيداغوجيا ولا معايير ‏الاختبارات بها من سلطان.. ولعلّها أفضل الفرص التي يتحيّنها هؤلاء ‏بدعم من وزارتنا الغرّاء لزرع فوبيا الرّياضيّات في التلاميذ منذ ‏الصّغر، لتضعف دافعيّة الكثيرين ولتساهم في عزوف قسم كبير من ‏التلاميذ لاحقا من الشعب العلمية ومن حصص الرياضيّات ومن شعبة ‏الرياضيات في الثانوي، متربّصة بمستقبل العلوم والهندسة في بلادنا ‏على المدى الطّويل..‏


في هذه السّنة، أخذ واضعو الاختبارات أزمة الكوفيد 19 بعين الاعتبار ‏فتنازلوا عن حدّة الصّعوبات وعوّضوها بكثافة التمارين وطولها، دون ‏تدرّج في الصّعوبات من التمرين الأوّل إلى الأخير. وقد تطلّب إنجاز ‏بعض التمارين مايفوق 30 عمليّة لم تراعى فيها قاعدة نصف الوقت ‏‏(أن يكون المعلّم قادرا على إنجاز الاختبار في نصف الوقت ‏المخصّص للتّلميذ)، وكأنّنا إزاء حرب يخرج منها التّلميذ إمّا منتصرا ‏متوّجا وإمّا مهزوما محطّم الفؤاد مقتنعا بضعفه وعجزه، وبأنّ وزارة ‏التربية لاترى فيه لاحاضرا ولا مستقبلا، رغم أنّ الأمر في الأخير ‏يتعلّق بمناظرة ينتقى فيها الأفضل في حدود طاقة الاستيعاب، لاحسب ‏معدّل محدّد فقط. فما ضرّ لو كان الاختبار ملتزما بالتوجيهات ‏والتوصيات البيداغوجيّة المعتادة، وكان عدد التلاميذ المتميّزين أكبر ‏من المقاعد المطروحة على التناظر، فنقول للمتميّزين الذين لم يقبلوا : ‏لاشكّ في قدراتك، لا شكّ في جدّيتك، لاشكّ في أنّك تلميذ متميّز لذلك ‏فإنّ أساتذتك في العام القادم سيفخرون بوجودك في أقسامهم، في ‏مدرستك الإعداديّة السّعيدة بك، وموعدنا معك في فرصة جديدة ‏للانضمام لمعهد نموذجي في آخر السنة التاسعة.. ألا ترى وزارتنا ‏المطبّاتية ذلك ممكننا ؟ ألا ترى أنّ اختبارا منسجما مع التوصيات ‏البيداغوجية المعتادة سيوفّر للوزارة، بالإضافة إلى كلّ ماذكر، فرصة ‏تقييم آداء المدارس والوقوف على النقائص ؟

الفرنسيّة بخطى متثاقلة ...‏

يدخل التلاميذ اختبار الفرنسية وقد ترك الكثير منهم "ريشا" كثيرا في ‏اختبار الرياضيات، ممّا ولّد لدى أغلبهم يأسا وإحباطا، بعدما تيقّنوا أنّ ‏أمر المناظرة قد حسم. كان نصّ الفرنسيّة هذه السّنة من النّوع ‏الإدماجي متضمّنا في ذات الوقت الوصف والسّرد والحوار والحجاج، ‏ملائما لإمكانيّات التلاميذ الذين تمرّسوا على تنويع العبارات والألفاظ ‏وإثرائها وعلى تعليل اختياراتهم وصياغة الحجج. غير أنّ الأسئلة ‏كانت، وفق الآراء التي استطلعناها، تتطلّب قدرا من التركيز لدى ‏التّلميذ حتّى يتمكّن من الإلمام بمختلف عناصر إجاباتها، ولا يساعد ‏الإرهاق والإحباط الحاصل من مطبّات الرّياضيّات في ذلك.‏

هل ارتقت مناظرة 2020 إلى ما يجب أن تكون عليه مناظرات ‏السيزيام ؟

اختلفت الآراء بين المعلّمين المستطلعين، فقد اعتبر عدد منهم أنّ ‏المناظرات موجّهة إلى النّخبة فقط، ولابدّ لمن يجتازها أن يكون جاهزا ‏لكلّ المطبّات والعوائق، سواء منها العرفانية أو التطبيقية أو النّفسيّة، ‏وقادرا على التحكّم في الوقت وعلى العمل تحت ضغط الوقت وتخت ‏ضغط الخوف من الفخاخ، ويعتبرون أنّ مثل هذه الصّعوبات تساهم في ‏إعداد التّلميذ لمستقبل يستعمل فيه قدراته العقليّة للتّغلّب على مختلف ‏الصّعوبات المهنيّة وتحقيق الأفضل الذي تنتظره البلاد من نخبتها. ‏ويرى شقّ آخر من المعلّمين المستطلعين أنّ المناظرة تساهم في تحطيم ‏معنويّات التلميذ وإحباطه كما أنّ بعض هؤلاء يعترضون على وجود ‏المدارس الإعدادية النموذجيّة باعتبار ذلك برأيهم يتسبّب في "تصحّر" ‏المدارس الإعداديّة والمعاهد من التلاميذ الممتازين، ولا يخدم تكافؤ ‏الفرص بين التلاميذ في المدارس الإعدادية العاديّة وتلك النموذجية.‏

* إيمان قرّاب : أستاذة مميّزة في التعليم الابتدائي، خرّيجة معهد ‏ترشيح المعلّمين بالمرسى، خبرة 29 سنة في المدارس التونسيّة.‏

 

أضف تعليقا أو اطلب استشارة حول الموضوع أعلاه الدخول إلى فضاء الإستشارات عن بعد
يتمّ الاحتفاظ بما تكتبه في فضائك الخاصّ دون نشر للعموم، ولا يطّلع عليه إلّا مستشارونا وفريق أورينتيني.   إرسال  

تعريف

هذا الموقع يهدف إلى تقديم معلومات ونصائح ووسائل عمل تساعدك على الاستعداد و اتخاذ القرار سواء كان ذلك في ميدان التعليم، التكوين المهني أو التشغيل. لكنه ليس موقعا رسميّا وهو مستقلّ تماما عن ايّ وزارة أو إدارة رسميّة تعمل في مجالات التوجيه أو التعليم العالي أو الثانوي أو التكوين المهني أو التشغيل.

آراء القراء

Top