آخر الأخبار |
مستجدات

رأي آخر في ال20/20 اختبار الفلسفة من الأستاذ عادل الحداد متفقد عام في الفلسفة
  
   

التاريخ : 09-07-2019 مطالعات : 5017

الأستاذ عادل الحداد-متفقد عام للتربية (اختصاص فلسفة) ومدير عام سابق للبرامج والتكوين المستمر بوزارة التربية يتحدّث من منطلق مجال اختصاصه وتجربته التربوية والتعليمية عن الجدل الذي حصل حول اسناد عدد ال20/20 في امتحان الباكالوريا في مادة الفلسفة للتلميذة أميرة النموشي الأولى على كامل تراب الجمهورية بالدورة الرئيسية- باكالوريا آداب 2019.

  • عجبي 99 من المعترضين على إسناد علامة 20 / 20 إلى مقالة فلسفية في امتحان البكالوريا.
    أثارت هذه الواقعة جدلا كبيرا في صفوف المتابعين للشان التربوي بين رافض ومدافع ومتظنن ومبارك. وقد أسعدني هذا الجدل لأنه ارتقى بالوعي العام من جدل حول إحصائيات الغش والنتائج والمنح والحرارة والخدمات إلى التفكير في التقييم وآلياته وأنواعه. كما أسعدني أن يكون مدار هذا الجدل "الفلسفة" بما هي مادة مدرسية تدرس في معاهدنا وتتصل بالتلاميذ جميعهم دون اعتبار لشعب اختصاصهم..
    لكن ساءني أن تعالج هذه المسألة دون التنويه بالمستوي الرفيع الذي يمكن أن يبلغه المتعلم التونسي في مادة شاعت عند الناس صعوبتها لما يتطلبه "اتقانها" و"حذقها" من قدرات ومهارات دقيقة. وبدل أن نهتز فخرا بأبنائنا وبناتنا يهتز بعضنا استهزاء بالفلسفة ومدرسيها..

  • إن لهذا الخلاف ما يبرره في تقاليدنا التربوية التي كرست تمييزا مخلا بين مواد علمية "صحيحة" وأخرى انسانية أدبية فنية لا تكون أبدا "صحيحة". لذلك حين نسند 20 / 20 لتمرين في الرياضيات أو الفيزياء لا نستحضر مستطاع الأستاذ أو اقليدس أو نيوتن مقارنة بمستطاع التلميذ. أما حين نسند نفس العلامة لتلميذ فإننا نسارع الى التساؤل: ماذا ترك المصحح للأستاذ وللفلاسفة الكبار؟
    إن غالبية المعترضين تطلق أحكامها دون أن تنتبه إلى التطورات التي لحقت منظومة التقييم وما تتضمنه من قواعد وشروط وأنواع وأصناف كما يغيب عنها ما حصل في تدريس الفلسفة من تغيرات انعكست على مقاييس إسناد الأعداد باعتماد "المقاييس المجالية". كما أنها لا تنتبه إلى مسلمات أحكامها ولا تسعى إلى مراجعتها.

  • من ذلك أن المعترضين يقدمون حجتهم كما يلي "20/20 هي درجة الكمال.. هي امتلاك الحقيقة المطلقة.. (جاء هذا في تدوينة لصديق من المعترضين).
    إن هذه الحجة تنطلق من مسلمة لا نقدية يعتبرها صاحبها صادقة لا يعتريها شك. وينسى أولا أنه علينا أن نتفق على أن "20/ 20 هي درجة الكمال"... إن هذه المسلمة لا تستقيم بيداغوجيا ذلك ان الدرجة 20 هي أعلى درجة في سلم علامات من 00 الى 20... وهو سلم افتراضي تعاقدي لا قيمة له خارج ما تعاقدنا عليه. وكان بإمكاننا أن نتعاقد على سلم ذي درجات أكثر أو أقل. وعليه يمنعنا هذا التعاقد في علاقتنا مع المتعلمين أن نعلنه لهم ونحن نضمر من ورائهم استحالة اعتماده في تقييم أعمالهم.. إننا بهذا نخدعهم. والمصححون في مادة الفلسفة مدركون تمام الإدراك أنهم بصدد إصلاح تحارير لتلاميذ لتقييم مهارات تدربوا عليها خلال السنة الدراسية وأن ما يُطلب منهم مختلف تماما عما يطلب من طالب في الفلسفة او من أستاذ فلسفة أو أو من فيلسوف ولا يقوم عندهم خلط بين هذه المستويات.. فالتحرير الذي نال علامة 20/20 لو قدمه حرفيا طالب في الإجازة لنال 12 مثلا .. ولو تقدم به طالب في التبريز لنال اقل من ذلك... ذلك أن مقاييس الإصلاح تختلف من مستوى الى آخر ولا وجود لمقياس يتخذ نموذجا مطلقا لا مزيد عليه. مما يؤكد أن العلامة عشرين علامة نسبية والسلم 20 - 00 سلم نسبي تعاقدي... مرتبط بالتعلم والمهارات والمضامين والتوقيت المخصص للإنجاز ومقاييس الاصلاح المعتمدة. ومستوى المتعلمين الممتحنين. خارج هذه الاحداثيات لا معنى للدرجات ولا معنى للكمال. وعلى المصرين على عدد أقصى 18 مثلا اعتماد سلم درجاته من 00 الى 18 وإعلام التلاميذ بذلك لأن الاحتفاظ بدرجتين ( 19 و 20) لا يفي الأستاذ والمفكر والفيلسوف حقهم ولا يفي التلميذ حقه.

    أما الاعتراض على إسناد الدرجة 20 / 20 لارتباط هذه الدرجة "بالحقيقة المطلقة " وهي مستحيلة في مجال الفلسفة والأدب فهذا اعتراض لا يستقيم.. لأننا في المقالة الفلسفية نتحرك خارج دائرة الحقيقة أصلا لنهتم بالتفكير على نهج الفلاسفة، على نهج الاستشكال والحجاج والمفهمة والتأليف والنقد والتنسيب والإمكان والاحتمال والتمييز بين مستويات المعالجة وغيرها من شروط التفلسف بما يفتح امام المتعلمين والمتعلمات باب الاجتهاد والتمرس على حرية التفكير والإبداع بما يتلاءم مع سنهم وخبرتهم وثقافتهم ولغتهم والمامهم بالفكر الفلسفي وقدرتهم على تبين معانيه وتوظيفها ضمن سياقات قد تكون مختلفة ...
    ولنا أن نفخر بتدريس الفلسفة في تونس لكونه غير موجه "بفلسفة رسمية" تملي على المتعلمين والمتعلمات مواقفهم وقناعاتهم.. حصل هذا بفضل نضالات الأساتذة والمتفقدين والجامعيين وأصدقاء الفلسفة والحريصين على حرية التفكير..

  • هذا ولا تسند هذه الدرجة المميزة من طرف أستاذ واحد، بل يعمد رئيس لجنة الإصلاح،في الغالب، إلى دعوة كل أساتذة الفلسفة بالمركز للمشاركة في إصلاحها والتأكد من كونها استوفت كل ما يطلبه مقياس الإصلاح.

  • فبدل الجدل حول إسناد 18 أو 20 علينا أن نقول لأبنائنا وبناتنا المتفوقين نحن لا نجود عليكم بالاعداد والعلامات بل هذا فضلكم على أنفسكم وبورك لكم في اجتهادكم... واجبكم المثابرة في الجهد وواجبنا توفير شروط تعلمكم وانصافكم.

 

أضف تعليقا أو اطلب استشارة حول الموضوع أعلاه الدخول إلى فضاء الإستشارات عن بعد
يتمّ الاحتفاظ بما تكتبه في فضائك الخاصّ دون نشر للعموم، ولا يطّلع عليه إلّا مستشارونا وفريق أورينتيني.   إرسال  

تعريف

هذا الموقع يهدف إلى تقديم معلومات ونصائح ووسائل عمل تساعدك على الاستعداد و اتخاذ القرار سواء كان ذلك في ميدان التعليم، التكوين المهني أو التشغيل. لكنه ليس موقعا رسميّا وهو مستقلّ تماما عن ايّ وزارة أو إدارة رسميّة تعمل في مجالات التوجيه أو التعليم العالي أو الثانوي أو التكوين المهني أو التشغيل.

آراء القراء

Top