آخر الأخبار |
مقالات تحليلية، آراء وخواطر

الجريدة ... تلميذ قُبِضَ عليه وهو يطالع..
  
   

التاريخ : 09-07-2020 مطالعات : 2031

ننشر هذه القصص الطريفة عن أجواء معاهد تونس في فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات ليقارن تلميذ اليوم مغامراته وتحدياته مع ماكان يعيشه تلاميذ تلك االفترة..

 

  الجريدة، قصة قصيرة بقلم الأستاذ الصغيّر حسن*

دخل التلاميذ قاعة المراجعة رقم 4 متكاسلين يجرون الأقدام جرا، فقد كانت حصة المراجعة المسائية ثقيلة لأنها تأتي بعد العشاء مباشرة وعقب يوم مثقل بالدراسة. لكني على غير العادة كنت أتعجل الدخول إلى القاعة حتى أفتح كنزي الثمين، فقد اشتريت يومها جريدة الأنوار بمائتي مليم وفرتها من مصروفي عندما خرجت خلسة خلال الفترة الصباحية أهيم على وجهي في شوارع المدينة وأنا التلميذ الداخلي حديث العهد بهذه الضوضاء التي لم يألفها في ريفه الهادئ.

كنت أعلم أن قراءة الجرائد ممنوعة في قاعة المراجعة لكني كنت أعول على قدرتي على التمويه، فاخترت كتاب التاريخ طويل الشكل المكتوب عليه "هدية العراق إلى القطر التونسي الشقيق" وفتحته ثم أخفيت الجريدة داخله فبقي جزء منها ظاهرا لكني أخفيته ما أمكن حتى يخيل للقيم التلميذ الذي يراقبنا أنني منهمك في حفظ درس التاريخ. 

كنت مغرما بصفحة الحوادث والجرائم أقرؤها بنهم شديد وكأني أطالع قصة مشوقة، وكنت أسترق النظر إلى القيم المراقب وكان تلميذا في الباكالويا اسمه حسن الناكوع ولا أذكر من أي القرى هو فأراه منهمكا في حل تمرين رياضيات فأزداد اطمئنانا. وفجأة رفعت رأسي لأجده واقفا بجانبي ينظر للجريدة ويبدو أني انهمكت في قراءة جريمة غامضة سيطرت علي تفاصيلها حتى ذهلت عن الواقع ولم تفلح لكزات زميلي الذي يشاركني الطاولة ذات المقعدين في تنبيهي من الخطر الداهم.

حجز القيم الجريدة وأمرني بالوقوف فوقفت ثم طلب مني مرافقته إلى الإدارة ولم تفلح توسلاتي له طوال الطريق وتعهداتي بعدم العودة في ثنيه عن عزمه ومن سوء حظي أن مكتب القيم العام على بعد أمتار قليلة وربما لو كان أبعد قليلا لنجحت في إقناعه.

دخلنا الإدارة فوجدنا القيم العام سي محمد علي تيلا رحمه الله وراء مكنبه يبحث في أوراق مكدسة أمامه ونظاراته الطبية قد نزلت حتى أرنبة أنفه، نظر إلينا من فوق النظارات وسأل القيم عن المشكل فأجابه بأنه مسكني متلبسا بقراءة الجريدة خلال فترة المراجعة ثم ناوله إياها وتركني واقفا وعاد ليحل تمرين الرياضيات. 

سألني القيم العام :

- ألا تعلم أن قراءة الجرائد ممنوعة خلال فترة المراجعة؟

- أجبته بلى أعلم! فسألني إذا لماذا تقرؤها بدل إعداد دروسك؟

- أجبته لقد راجعت جميع دروسي وحفظتها جيدا وبإمكانك أن تختبرني الآن إن أردت.

أطرق هنيهة ثم قال : "حتى ولو أعددت دروسك لا يحق لك أن تخرق القانون وتعرض نفسك لعقوبة". أطرقت برأسي ولم أنبس ببنت شفة عندها قال لي : "عد إلى المراجعة ولا تعد لمثل هذا الصنيع ثانية وفي المرة القادمة لن أسامحك".

ويبدو أني طمعت في حلمه أكثر من اللازم فبعد خروجي عدت له مجددا وطلبت منه أن يعيد لي جريدتي ولن أقرأها في أوقات المراجعة، لكنه غضب بشدة وأخذ الورقة الزهرية الشهيرة والمخيفة وسجل لي إنذارا ثم أمرني بالخروج دون أن يعطيني الجريدة. فخرجت من مكتبه بحسرة رباعية الأضلاع المائتا مليم التي ضاعت سدى والجريدة التي صودرت والإنذار الذي أسند لي وأخيرا قصة الجريمة الغامضة التي لم أعرف نهايتها إلى اليوم.

رحم الله حمة علي فقد سامحني بعدها في مواضع كثيرة وتحية لحسن الناكوع حيثما كان!!!

* الأستاذ الصغير حسن هو صحفي تونسي بالمهجر.

 

أضف تعليقا أو اطلب استشارة حول الموضوع أعلاه الدخول إلى فضاء الإستشارات عن بعد
يتمّ الاحتفاظ بما تكتبه في فضائك الخاصّ دون نشر للعموم، ولا يطّلع عليه إلّا مستشارونا وفريق أورينتيني.   إرسال  

تعريف

هذا الموقع يهدف إلى تقديم معلومات ونصائح ووسائل عمل تساعدك على الاستعداد و اتخاذ القرار سواء كان ذلك في ميدان التعليم، التكوين المهني أو التشغيل. لكنه ليس موقعا رسميّا وهو مستقلّ تماما عن ايّ وزارة أو إدارة رسميّة تعمل في مجالات التوجيه أو التعليم العالي أو الثانوي أو التكوين المهني أو التشغيل.

آراء القراء

Top