آخر الأخبار |
مستجدات

التحرير المتحصل على 20 من 20 في الفلسفة كما كتبته التلميذة المتألقة أميرة النموشي(ج1)-باكالوريا 2019
  
   

التاريخ : 08-07-2019 مطالعات : 12136

تم نشر امتحان التلميذة أمير النموشي التي تحصلت على 20 من 20 في مادة الفلسفة باكالوريا آداب-دورة جوان 2019 وهذا نص موضوع الامتحان:

الموضوع الأوّل : قيل " بقدر ما ينشىء الإنسان الرّموز تتوسّع دائرة ما هو إنساني " حلّل هذا القول و ناقشه مبرزا منزلة الرّمز في تحقّق ما هو إنساني.

الجزء الأول من التحرير الذي كتبته أميرة :

 

  • لمّا كان فضاء الرّمز فضاءً إنسانيّا متأكّدا و باعتبار علاقة الجدليّة مع الواقع الذّاهبة في تأثّر و تأثير نستمدّ بحثنا الفلسفي، لا بحثا عن تاريخيّة إخباريّة لجدليّة الرّمز و الإنسان أو سؤالا عمّا يربطهما، و إنّما هو تفكيك لجدليّة و رابطة الإنسان بالعالم و بالرّمز. رابطة و كأنّنا نخوضها في محاولة محاورة هذه العلاقة حتّى لا نستبين مكانة الرّمز من الإنساني فقط، و إنّما أيضا نخوض في مكانة الإنسان في حدّ ذاته من ذاته و من غيريّة على نحو يشرّع لنا أن نبحث عن منزلة الرّمز فيها باستجلاء دلالته و مكانته. فبأيّ معنى تؤخذ الرّموز، و أيّ علاقة تجمع إنشاءها و دائرة الإنساني ؟ و إذا ما اعتبرناها توسيعا لها، كان لا بدّ أن نسأل أيضا عن كيفيّة تحقّق هذا الإمكان ؟ ثمّ إذا ما تحدّثنا عن "إمكان" لهذه العلاقة، ألا يفترض ذلك وجود إمكانات أخرى ؟ أتتوقّف علاقة الرّمز بالإنسانيّ في توسيعه ؟
    نحن بمساءلتنا لفضاء الرّموز إنّما نخوض في البحث في ذواتنا، عن هويّتنا التي يبدو أنّنا بعد إدراك كنهها العلائقي صرنا نبحث عن سبل التّحوّل الفعلي من حركة في الموجود إلى حركة للوجود، عن سبل التّحقّق الفعلي لفضاء الإنساني.
    لذلك فالفلسفة التي نخوض بها بحثنا إنّما هي فلسفة الوظائفيّة لا فلسفة الماهيّة و إنسان الجوهر. الإنسان الذي يتوجّه إلى كثرة لا يقصيها و إنّما ينفتح عليها في سبيل بناء إنسانيّته، في سبيل خلق مجاله الذي لا يكون لغير الإنسان لأنّه هو الفاعل الذي "ينشىء". و يبدو أنّ الفعل بكونه منسوبا إلى ضمير مفرد قد جاء في صيغة معرّفة لن يكون إحالة إلى فرد أو جماعة خاصة، و إنّما ينحو منحى كلّيّا عاما. و لعلّ ذلك ما يدعمه مصطلح "ما هو إنساني".
    فال"ما" أداة الإشارة إلى عالم الأشياء، إنّها إذن إحالة إلى العالم المادي. و لكنّها قد نسبت إلى "هو إنساني" في تعريف يضيف إليها صفة ما يجعلنا نفترض، لا فقط تحوير هذا العالم المادي، و إنّما "الهو" هي حتما إحالة إلى الإنسان في ذاته لأنّه ضمير يحمل دلالة حيّة. إنّنا نفترض إذن علاقة جدليّة ثلاثيّة لن تحيا فيها "ما" دون "هو" إلاّ عن طريق فعل "ينشىء الرّموز". ثمّ إنّها رموز في صيغة جمع ربّما هي التي افترضت مصطلح "تتوسّع" إذ كلاهما إحالة إلى التّكثّر و التّنوّع. علّنا إذن لن نبني أسس افتراضنا –الذي نقرّ فيه لا تلازما كمّيّا فقط لفعل إنشاء الرّموز و توسّع دائرة ما هو إنساني، و إنّما كيفيّا أيضا إذا ما أخذنا بالاعتبار أنّ أداة ما في "بقدر ما ينشىء" تعبّر عن شرط تلازميّ لكلا الفعلين- دون التّوقّف على دلالة ينشىء، إذ هو فعل يفيد الخلق و يترجم مجهودا عقليّا و قصديّا يخلق فيه الإنسان العلم اللّامرئي بصورة ذهنيّة، و إنّما في إنشائه إنّما هو يتمثّله بعقله فيحوّله إلى مرئيّ في عمليّة يعتمد فيها الرّموز بما هي أدوات تمكّننا من رؤية العالم و تصوّره حتّى نخلق وجودا غير موجود مسبقا و حتّى نبدع "الإنساني" كعالم ينسب إلينا و يحمل وعينا و تمثّلاتنا. إنّه ذاك الفضاء الخاص جدّا الذي قد نتّفق بعض الشّيء في عمليّة إبداعه مع التّصوّر الكانطي الذي يجزم فيه بسير الإنسان من الماقبلي إلى المابعدي. فهذا الإنساني الذي نخلقه إنّما هو نتاج تمثّلاتنا و افتراضاتنا لأنّ العالم في حدّ ذاته، أي على نحوه الطّبيعي، ليس سوى كلّ مركّب و جمعا من العناصر العامة في فوضاها و لا تجانسها تكتسب من أصل الرّموز كانتظام عقل معناها و صورتها و دلالتها حتّى تصبح على حدّ عبارة لوموانيه " أبنية و ليست كنوزا". ففعل إنشاء الرّموز هو بالتّالي تجسيد ممارساتيّ لكائن الكوناتوس المدفوع برغبة الوعي و رغبة الجسد من طبيعيّ محدود يجهله و من مخاوفه و هواجسه ممّا هو مخارج له و من غيريّة أيقن أنّه في ضلالة باستبعادها. فلحظة التّرميز هي لحظة تكتسب فيها الأشياء معنى و تصبح حاملة لفكر و لوجود و وظيفة، و ذلك بعبارة فروم أوّل ولوج للإنسان في باب الثّقافة بما هي تجاوز للعيش و الطّبيعي و الانغلاقي المباشر و "الحقّ أنّ حضارتنا قد نشأت منذ اللّحظة التي بدأ فيها الإنسان مراقبة الطّبيعة مراقبة فعّالة"، هي مراقبة خلقت النّظام السّياسي الذي تجتمع فيه كثرة على تنوّعها في نحو آمن فتجاوز سلطة الغلبة الطّبيعيّة، السّلطة التي تنتهك فيها الحقوق بصورة اعتباطيّة و تغزو فيها حرب الأنانيّة و الفوضى. و وضع نظام إنّما هو تحقيق براكسيولوجي للإنساني بامتياز قد تحمّله الرّمز الدّيني في السّلطة التّقليديّة – لو عدنا إلى دراسة ماكس فيبر في تطوّر السّلطة – رمز هو "نظام للعمل" قد ترجم تأويلا إنسانيّا لسبل اجتماع الأنا بالآخر وفق قاعدة أخلاقيّة كلّية تمكّنت من أن تكون سلطة معياريّة معنويّة توجّه الفعل الإنساني و العلاقات الاجتماعيّة في غياب الدّولة الحديثة و آليّاتها في القوّة و الرّدع. هو ردع، باعتبار أنّه يفرض حالة من التّوافق و الخضوع له دون لجوئه إلى آليّات قوّة، يؤكّد علاقة الجدليّة مع الإنسان ذاته. فلئن ابتدعه بتمثّله فإنّه يظلّ يخضع له و يتأثّر به سيّما و أنّنا لا نميل إلى الخضوع إلى القواعد الأخلاقيّة بصورة طبيعيّة. أليس الخضوع من باب الضّرورة لا الإرادة على حدّ عبارة روسو ؟ و هو ما يحتمل أنّ الرّمز الدّيني ليبعث فينا ذاك "الضّمير الدّيني" الذي لا يردعنا من حيث علاقتنا بالآخر فقط، و إنّما هو من باب الرّدع الذّاتي الذي يوجّه الذّات على نحو "الفضيلة" على نحو قد يبعث فيها أمل السّعادة و يثبت رغبتها في الحياة. فالطّبيعة لم تخصّنا بامتيازات أو قدرات تجعلنا نجابه الأزمات أو الصّدمات التي قد تحملنا إلى نحو من العبثيّة و العدميّة المتشائمة فلا تقودنا إلاّ إلى حالة من "الشّلل التّام". و لعلّ ذلك ما جعل فرويد يؤكّد على أنّ الدّين يتلازم و إنقاذ حياة الإنسان من العبثيّة حتّى يضيف إلى طبيعته الهشّة حالة من السّكينة و التّوازن النّفسي التي تواجه الاضطرابات أو "حالات الهوس الاكتئابي"، كما أشار إليها ريتشارد مايار. وبالتّالي إنّه يضيف إلى دائرة العالم المادي و الإنساني عالما روحيّا معنويّا هو سمتنا الانتروبولوجيّة التي نتفرّد بها، إذ "لم توجد حضارة و يبدو أنّه لن توجد حضارة" لم تخلق منظومتها الرّوحيّة والأخلاقيّة دون الرّمز الدّيني. أليست الأخلاق، كما تحدّث فيها دوركهايم، منظومة اجتماعيّة تتحدّد برؤية المجموعة المحدثة بها للعالم و تأويلها له الذي يرتبط بشعائرها و عقائدها التي "تتشارك فيها مجموعة محدّدة من البشر " ؟. إنّ هذه المنظومة المعنويّة هي التي تؤكّد على طابعنا العلائقي و تفتحنا على تنويع تجاربنا تنويعا لا يتمّ دون الانفتاح على الغير. انفتاح يتحوّل فيه العدوّ إلى صديق، و المستبعد إلى أنا كائنة فينا لأنّنا نبني إنسانيّتنا و نحقّق هويّتنا التي تندمج فيها "صورة الآخرين بنواة شخصيّتي"عن طريق اللّغة. فنحن بوساطة الرّمز اللّغوي نحقّق ذواتنا و نخوض في فعل قصديّ، في ذاك المعيش الهوسرلي الذي يحدّ رابطنا مع العالم و مع الآخر و ينشىء فضاء آخر هو فضاء الدّيناميكا و الفعل لا فضاء الجمود و الثّبات الطّبيعي المحدود. فاللّغة، بالاستناد إلى غوسدورف، "لا تأتي من واحد بل من كثيرين"، ما يعني في مستوى أوّل أنّها تلغي وهم الأنا المنغلقة و تجعل منها لا عقليّة و لا ماديّة أي من حيث الوعي و الوجود المادي، ثمّ إنّها بدرجة ثانية تؤكّد على تفاعل كثرة فلا يمكن أن تنشأ إلاّ في خضمّ ممارسة اجتماعيّة. لذلك هي نشاط جماعيّ متحرّك نخلق به ذاك "الموقع الذي نحتلّه من العالم" على حدّ عبارة تايلور.الموقع الذي يعكس هويّتنا و إنّيّتنا في ديناميّتها. إنّنا باللّغة نعطي معنى لمواطنتنا بما هي مشاركة جماعيّة نتبادل فيها الآراء و الأفكار في سبيل أن نحقّق "الاختيار". و اختيارنا هو اختيار للإنسان كما أشار إليه سارتر، اختيار نرتقي فيه من حالة طبيعيّة لا ماهيّة لها حتّى نخلق لها دلالة و كيانا حسب تأوّلنا. أليست الإرادة العامة تجميعا لإرادات فرديّة لا تتمّ بصورة مباشرة و إنّما باعتراف و تبادل أساسه اللّغة حتّى نتكلّم فيها "فكرا" لو استعرنا لفظ بنفنيست.
    إنّ الرّمز اللّغوي بذلك ارتقاء بشكل السّلطة من سلطة تقليديّة عمادها الرّمز الدّيني إلى سلطة دولة تعتمد الاتّفاق و التّحاور اللّغوي سبيلا، ما يؤكّد أنّه بقدر ما ينوّع الإنسان رموزه تتوسّع دائرة ما هو إنساني تصديقا لاعتبار كاسيرر في أنّه كلّما "تزداد الشّبكة الرّمزيّة تنوّعا كلّما تزداد الفاعليّة الإنسانيّة " حتّى نكون كائنا رامزا بامتياز. هو بإنشائه لرموزه يقلّص حتما من ماديّة العالم المادي، بل و يفتحه على التّنوّع و الثّراء لأنّه بانفتاحه عليه إنّما تجاوز تلك الأنا المتعالية و انتقل بها من مرحلة التّرفّع على الأشياء إلى مرحلة "الإقامة فيها"، إقامة لا يتعامل فيها مع العالم كموضوع و شيء فنحن حسب فروم لا نملك حقيقة الواقع و لا نخوض تجربة الامتلاك، و إنّما تجربة وجود تراعي العالم في تركيبته السّيستميّة فتعقد معها علاقة معرفة بالمشروع لا معرفة بالموضوع لا نخوضها إلاّ عبر أنساق صوريّة نفترض فيها نظريّات علميّة "وفق نماذج". فلا يتعلّق الأمر إذن بموجود و بمادة حيّة كائنة، و إنّما بتمثّل ذهنيّ يكون، يجعل من الطّبيعة على حدّ قول غاليلي " كتابا مفتوحا ". إنّه مفتوح على الإمكان الذي يخوضه الإنسان بصورنة الواقع و تحويل العينيّ إلى ذهنيّ مجرّد حتّى نتمكّن، لا من فهمه فقط، و إنّما من توسيع دائرته باعتبار أنّنا لا ننمذج فقط لكي نعرف معرفة معزولة عن الفعل. ألم يذكّرنا بياجي إلى أنّنا " لا نعرف موضوعا إلاّ بالفعل فيه و تحويله ". لذلك فضمن هذا المسار التيلولوجي ننخرط بوساطة نماذجنا في مسار كونيّ " يعرف لكي يتوقّع " و يتوقّع لكي يوظّف فهمه و تأويله للعالم في عمليّات استعماليّة و تحكّميّة قد زادت قدرة الإنسان في إنشاء الرّموز و تنويعها حتّى يوسّع معها فضاءه الخاص. و ربّما ذلك ما تستبطنه مقولة الموضوع التي جعلت من فضاء الإنشاء فعلا مضارعا إحالة إلى استمراريّته و تواصله، و "القدر" إنّما هو حامل لدلالة التّزايد العددي سيّما و أنّ مصطلح "يتوسّع" لكأنّه يقدح في أذهاننا زيادة في الفعل و اتّساعا على ما هو عليه، زيادة قد وظّفت توسّع ما هو إنسانيّ على مستوى معرفي و عملي عن طريق النّماذج العلميّة و الرّمز اللّغوي حتّى تخرج من دائرة هذه "الرّموز التّقليديّة"، حتّى تضفي على الرّمز المصوّر تأثيرات تجعله "بألف كلمة" فيتجاوز حدود اللّغة و المسافات و يحدث ثورة رمزيّة عالميّة إنّما وسّعت من النّطاق الثّقافي بفتحه على التّبادل. أليست الصّور باحتوائها لتجلّي "الرّوح" في المحسوس تحمل خصوصيّات الشّعوب و حضاراتها. لذلك فتحها عن طريق توظيفها التّكنولوجي في مجال السّينماتوغرافيا و الصّور المشهديّة الرّقميّة هو فتح لفضاء إرساء كونيّ ثقافيّ إنسانيّ نحقّق فيه نداء باسكال في كون الإنسانيّة إنسانا واحدا يتعلّم و يتذكّر باستمرار.

 

أضف تعليقا أو اطلب استشارة حول الموضوع أعلاه الدخول إلى فضاء الإستشارات عن بعد
يتمّ الاحتفاظ بما تكتبه في فضائك الخاصّ دون نشر للعموم، ولا يطّلع عليه إلّا مستشارونا وفريق أورينتيني.   إرسال  

تعريف

هذا الموقع يهدف إلى تقديم معلومات ونصائح ووسائل عمل تساعدك على الاستعداد و اتخاذ القرار سواء كان ذلك في ميدان التعليم، التكوين المهني أو التشغيل. لكنه ليس موقعا رسميّا وهو مستقلّ تماما عن ايّ وزارة أو إدارة رسميّة تعمل في مجالات التوجيه أو التعليم العالي أو الثانوي أو التكوين المهني أو التشغيل.

آراء القراء

Top